سورة النمل - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النمل)


        


قوله عز وجل: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ وَالطَّيْرِ} في مسيره له، {فَهُمْ يُوزَعُونَ} فهم يكفون. قال قتادة: كان على كل صف من جنوده وزعة ترد أولها على آخراها لئلا يتقدموا في المسير، والوازع الحابس، وهو النقيب. وقال مقاتل: يوزعون يساقون، وقال السدي: يوقفون. وقيل: يجمعون. وأصل الوزع الكف والمنع. قال محمد بن كعب القرظي: كان معسكر سليمان مائة فرسخ، خمسة وعشرون منها للإنس، وخمسة وعشرون للجن، وخمسة وعشرون للوحش، وخمسة وعشرون للطير، وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب، فيها ثلاثمائة صريحة وسبعمائة سرية فيأمر الريح العاصف فترفعه، ويأمر الرخاء فتسير به، وأوحى الله إليه وهو يسير بين السماء والأرض: إني قد زدت في ملكك أنه لا يتكلم أحد من الخلائق بشيء إلا جاءت به الريح، فأخبرتك.


قوله عز وجل: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ} روي عن وهب بن منبه عن كعب قال: كان سليمان إذا ركب حمل أهله وخدمه وحشمه، وقد اتخذ مطابخ ومخابز يحمل فيها تنانير الحديد وقدور عظام، يسع كل قدر عشر جزائر وقد اتخذ ميادين للدواب أمامه، فيطبخ الطباخون، ويخبز الخبازون، وتجري الدواب بين يديه بين السماء والأرض، والريح تهوي بهم، فسار من اصطخر إلى اليمن فسلك مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال سليمان: هذه دار هجرة نبي في آخر الزمان، طوبى لمن آمن به وطوبى لمن اتبعه، ورأى حول البيت أصنامًا تعبد من دون الله فلما جاوز سليمان البيت بكى البيت، فأوحى الله إلى البيت ما يبكيك؟ فقال: يا رب أبكاني أن هذا نبي من أنبيائك وقوم من أوليائك مرّوا عليّ فلم يهبطوا ولم يصلوا عندي، والأصنام تُعبد حولي من دونك فأوحى الله إليه أنْ لا تبكِ، فإني سوف أملؤك وجوهًا سُجَّدًا، وأنزل فيك قرآنًا جديدًا وأبعث منك نبيًا في آخر الزمان أحب أنبيائي إليّ، وأجعل فيك عمّارًا من خلقي يعبدونني، وأفرض على عبادي فريضة يذفون إليك ذفيف النسور إلى وكرها، ويحنون إليك حنين الناقة إلى ولدها والحمامة إلى بيضتها، وأطهرك من الأوثان وعبدة الشياطين ثم مضى سليمان حتى مرّ بوادي السدير وادٍ من الطائف، فأتى على وادي النمل، هكذا قال كعب: إنه وادٍ بالطائف. وقال قتادة ومقاتل: هو أرض بالشام. وقيل: واد كان يسكنه الجن، وأولئك النمل مراكبهم.
وقال نوف الحميري: كان نمل ذلك الوادي أمثال الذباب. وقيل: كالبخاتي. والمشهور: أنه النمل الصغير. وقال الشعبي: كانت تلك النملة ذات جناحين. وقيل: كانت نملة عرجاء فنادت: {قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ} ولم تقل: ادخلن، لأنه لما جعل لهم قولا كالآدميين خوطبوا بخطاب الآدميين، {لا يَحْطِمَنَّكُمْ} لا يكسرنكم، {سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ} والحطم الكسر، {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} فسمع سليمان قولها، وكان لا يتكلم خلق إلا حملت الريح ذلك فألقته في مسامع سليمان. قال مقاتل: سمع سليمان كلامها من ثلاثة أميال. قال الضحاك: كان اسم تلك النملة طاحية، قال مقاتل: كان اسمها جرمى. فإن قيل: كيف يتصور الحطم من سليمان وجنوده وكانت الريح تحمل سليمان وجنوده على بساط بين السماء والأرض؟ قيل: كان جنوده ركبانًا وفيهم مشاة على الأرض تطوى لهم. وقيل: يحتمل أن يكون هذا قبل تسخير الله الريح لسليمان. قال أهل التفسير: علم النمل أن سليمان نبي ليس فيه جبرية ولا ظلم. ومعنى الآية: أنكم لو لم تدخلوا مساكنكم وطؤوكم ولم يشعروا بكم. ويروى أن سليمان لما بلغ وادي النمل حبس جنوده حتى دخل النمل بيوتهم.


قوله عز وجل: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا} قال الزجاج: أكثر ضحك الأنبياء التبسم. وقوله: {ضَاحِكًا} أي: متبسمًا. قيل: كان أوله التبسم وآخره الضحك. أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا يحيى بن سليمان، حدثني ابن وهب، أخبرنا عمرو، هو ابن الحارث، أخبرنا النضر، حدثه عن سليمان بن يسار، عن عائشة قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعًا قط ضاحكًا حتى أرى منه لَهَوَاتِه، إنما كان يتبسم. أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني، أخبرنا أبو القاسم الخزاعي، أخبرنا الهيثم بن كليب، حدثنا أبو عيسى، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ابن لهيعة عن عبد الله بن المغيرة عن عبد الله بن الحارث بن جَزْء قال: ما رأيتُ أحدًا أكثر تبسمًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال مقاتل: كان ضحك سليمان من قول النملة تعجبًا، لأن الإنسان إذا رأى ما لا عهد له به تعجب وضحك، ثم حمد سليمان ربَّه على ما أنعم عليه. {وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي} ألهمني، {أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} أي: أدخلني في جملتهم، وأثبت اسمى مع أسمائهم واحشرني في زمرتهم، قال ابن عباس: يريد مع إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ومن بعدهم من النبيين. وقيل: أدخلني الجنة برحمتك من عبادك الصالحين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8